حينما نتحدث عن الهم فإننا نتحدث عن القوة الباطنة والمحرك الداخلي الذي يقف وراء كل عمل ظاهر .
ولهذا كان الهم ملازماً للإنسان ، لا ينفك عنه بحال ، ومما يدل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود: "أصدق الأسماء حارث وهمام".
ما منا إلا وهو صاحب هم ، لكن هذه الهموم متنوعة ومتفاوتة . هناك هموم سامية ، وأخرى هابطة .. فقلب همه وهمته في الثرى ، وآخر همه وهمته في الثريا .
أمام هذه الهموم يحتاج الشاب والفتاة إلى عدة أمور :
1) ترتيب الأولويات ، أو التوازن بين هم الدنيا والآخرة :
لا شك أن هم الآخرة هو المقدم في حياة المسلم ، ولهذا كانت العبادة بمفهومها الشامل هي الغاية من الخلق.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي وابن ماجه أنه قال: "من كانت همه الآخرة جمع الله له شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا راغمة ، ومن كانت همه الدنيا فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له .
والخظورة هنا تكمن في الاهتمام بالدنيا والاشتغال بها على حساب الآخرة ، ولهذا جاء في الدعاء النبوي كما رواه الترمذي : (ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا) .
وليس معنى هذا أن يطلق المسلم الدنيا ثلاثاً ، لا ، فإن الله تعالى يقول
وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا)
إذن القضية قضية توازن ، فيعطى كل ما يستحقه من الهم والاهتمام . الابتغاء والهم الأكبر هو الدار الآخرة ، ومع هذا لا تنس أن تعطي شيئاً من الاهتمام لأمور الدنيا .
بل الهم الدنيوي يمكن أن يحول إلى هم أخروي بتصحيح القصد والنية . فهم العرس عند الشاب ، وهم الأسرة والأبناء عند الفتاة ، وهم التجارة عند التاجر المسلم ، وغيرها ، كل هذه الهموم يمكن أن تهذب وتحول إلى هموم أخروية ، (وفي بضع أحدكم صدقة ) ، و (نعم المال الصالح للرجل الصالح) .
2) الانسجام بين الهموم الشخصية وهموم الأمة :
كل إنسان له هموم شخصية وأخرى عامة تتعلق بالجماعة الإنسانية أو الأمة التي ينتمي إليها.
والمسلم لا يليق به أن يعيش لوحده ، متناسياً هموم الأمة ، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم .
ولله در أولئك الرجال الذين يعيشون لغيرهم لأمتهم وإخوانهم .
رأينا منهم العلماء في الذين بذلوا أنفسهم في تعلم العلم وتعليمه ، ورأينا منهم الدعاة والمصلحون الذين يقومون على الدعوة والإصلاح ، ورأينا منهم أصحاب الأيادي البيضاء في إغاثة المنكوبين ووتخفيف معاناة الفقراء والمساكين . فهؤلاء جميعاً هم الذين يحملون هم الأمة بينما تحمل الأمة هم آخرين ممن يعيشون على هامش الحياة .
فنحن نحتاج إلى نوع من الانسجام بحيث تكون همومنا الشخصية ضمن الإطار العام لهموم الأمة ، فهمومنا الشخصية من الدراسة والوظيفة والزواج والأسرة لبنات صالحات في نهضة الأمة .
نهضة الأمة لا تقف على العلم الشرعي والدعوة والجهاد فقط ، بل لا بد من القيام بفروض الكفايات في المجالات الأخرى كالطب والهندسة والصناعة وغيرها .
ولهذا استدل الفقهاء على كون الأصل في الجهاد أعني جهاد الطلب أنه فرض كفاية وليس بفرض عين ، قالوا : لو كان متعيناً على الناس كلهم لم يتفرغ أحد لكسب أو شغل فيتعطل المعاش ، وإذا تعطل المعاش لم تستطع الأمة أن تقوم بالجهاد ، لأنه لا بد لها من القوة والسلاح والصناعة وغير ذلك .
3) أن لا يقعدنا الهم عن العمل وإن قل :
من الحيل الشيطانية أن بعض الناس يكون عنده طموحات وآمال عظيمة سواء تتعلق بنفسه أو بأمته ، فإذا فتح له باب من الخير أو عرض عليه مشروع زهد فيه ، بحجة أنه عمل يسير قليل الجدوى .
يقال له: احضر درساً أو تعلم مسألة ، فيقول : وهل هذه المسألة هي التي ستصنع مني عالماً ؟.
يقال له : ادع إلى الله ، أصلح جارك ومره بالمعروف وانهه عن المنكر ، فيقول : وما يغني أن صلح جاري في ظل ما تعيشه الأمة ، وهل صلاحه سيقضي على المنكرات .
فانظر كيف يزين الشيطان لبعض الناس أنه صاحب هم ، وما عرف المسكين أنه ليس بصاحب هم ، بل هو صاحب وهم .