الحوار بين الابن الصالح والأب الطالح:
"حوار ابراهيم صلى الله عليه وسلم لأبيه في سورة مريم"
قال ابراهيم "الابن" : (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً، يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً، يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً).
قال "الأب": (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجُمنك واهجرني ملياً ).
قال "الابن": (سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً، وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقياً ).
وقد تضمن الحوار دروساً عدة منها:
1- الأدب في حديث الولد لوالده، وتودده إليه وتقديره له. فهو يبدأ حديثه بذكر تلك اللحمة العظيمة والرابطة الجليلة، انها وشيجة الأبوة.. فيناديه بها بأدب جم (يا أبت) ... وهكذا ينبغي أن يحدث الأبن أباه وأمه كما أمر الله تعالى بذلك فقال: وقل لهما قولاً كريماً ومن أكبر العقوق أن يخاطب الرجل أباه كما يخاطب السيد خادمه.
2- أهمية التوحيد في دعوة الرسل؛ فهي الأصل الأصيل والركن الركين الذي قامت عليه الرسالات، وهي الكلمة الأولى التي وجهها إبراهيم إلى والده يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً وما من رسول بعثه الله إلا كان أول ما دعا إليه قومه توحيد الله تعالى وما أرسلنا من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون .
3- كثير من الآباء يأنف النصيحة من ابنه، استكباراً على الولد أو استصغاراً له، ولذا بين إبراهيم عليه السلام أنه إنما يستمد علمه في دعوته من مصدر علوي وليس من ذات نفسهإني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني. لذا ينبغي للأبناء إذا شعروا بعدم تقبل الوالدين للنصح منهم أن يلجأوا إلى بعض الأقارب لنصحهما, أو إلى شريط مسجل لبعض المشايخ يناقش ذلك الخلل أو الخطأ أو أي مصدر خارجي أو وسيلة تلقي قبولاً لدى الوالدين ليستجيبوا للنصح ويرجعوا عند سماعها للحق..
4- من الأهمية بمكان أن يوضح المحاور "المتحدث" حرصه واهتمامه بمصلحة الطرف الآخر؛ ولذلك بين إبراهيم لأبيه خوفه عليه من اتباع الشيطان فيحق عليه عذاب الرحمن يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً.
5- الصبر على الوالدين وحسن صحبتهما وإن كانا مشركين، كما قال تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً). ولذا لم يفقد إبراهيم بره وعطفه وأدبه مع أبيه مع قسوة عباراته وجهالة كلماته .. ولم يزد إبراهيم على قوله سلا م عليك سأستغفر لك ربي .. .
6- ومع هذا الإحسان، فإنه لا يعني مشاركة الأب في منكراته، قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً، وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو بي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقياً. فحسن صحبة إبراهيم لأبيه لم يمنعه من اعتزال شركه وكفره..
7- "ومن ترك شيئاً عوضه الله خيراً منه". فإبراهيم عندما اعتزل أباه وقومه وهجر أهله ودياره، ورحل إلى حيث يدعو ربه وحده لم يتركه الله وحيداً؛ بل عوضه أهلاً خيراً ممن ترك فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلاً جعلنا نبياً.