بسم الله الرحمن الرحيم
نكمل خطوات العودة الى الله
3- أحكم الإغلاق:
أن للشيطان مداخل على الإنسان، جماعها أربعة أبواب، فأغلقوها وأحكموا الإغلاق؛ بل وتعاهدوهـ أيضًا، فإنه متى فتح الباب؛ ولج الشيطان معه؛ ليفسد عليكم داركم، وإليكم هذه الأبواب:
1- النظرة:
فأما اللحظات فهي رائد الشهوة ورسولها، وحفظها أصل حفظ الفرج، فمن أطلق بصره أورد نفسه موارد المهلكات.
وعند الترمذي (5/101) من حديث علي مرفوعًا: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة» [وحسنه الألباني].
وفي صحيح ابن حبان (271) من حديث عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:
«اضمنوا لي ستًا أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم».
والنظرة أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فالنظرة تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولابد، ما لم يمنع منه مانع – وفي هذا قيل: «الصبر على غضب البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده».
قال الشاعر:
كل الحوادث مبدؤها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت من قلب صاحبها
كمبلغ السهم بين القوس والوتر
والعبد ما دام ذا طرف يقلبه
في أعين العين موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته
لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
فاحفظوا أبصاركم عما حرم الله عليكم، وهنا نشير إلى ضرر القنوات الفضائية، وما تبث من سموم، وما تسحب من لذة طاعة، وحلاوة إيمان، فاحذروا أن يراكم الله في ما لا يحب. عصمني الله وإياكم من الفتن.
2- الخطرة:
وأمَّا الخطرات فشأنها أصعب، فإنها مبدأ الخير والشر، ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم، فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه، وقهر هواه، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب، ومن استهان بالخطرات قادته قهرًا إلى الهلكات.
أن ورود الخاطر لا يضر، وإنما يضر استدعاؤه ومحادثته، فالخاطر كالمار على الطريق، إن تركته مر وانصرف عنك، وإن استدعيته سحرك بحديثه وغوره، يقول ابن القيم في طريق الهجرتين (274): «قاعدة في ذكر طريق يوصل إلى الاستقامة... وهي شيئان:
أحدهما: حراسة الخواطر وحفظها والحذر من إهمالها والاسترسال معها، فإن أصل الفساد كله من قبلها يجيء؛ لأنها هي بذر الشيطان، والنفس في أرض القلب، فإذا تمكن بذرها تعاهدها الشيطان بسقيه مرة بعد أخرى حتى تصير إرادات، ثم يسقيها بسقيه حتى تكون عزائم، ثم لا يزال بها حتى تثمر الأعمال، ولا ريب أن دفع الخواطر أيسر من دفع الإرادات والعزائم، فيجد العبد نفسه عاجزًا أو كالعاجز عن دفعها بعد أن صارت إرادة جازمة، وهو المفرط إذ لم يدفعها وهي خاطر ضعيف، لمن تهاون بشرارة من نار وقعت في حطب يابس فلما تمكنت منه عجز عن إطفائها.
الطريق الى حفظ الخواطر له عدة اسباب:
أحدها: العلم الجازم باطلاع الرب سبحانه، ونظره إلى قلبك، وعلمه بتفصيل خواطرك.
الثاني: حياؤك منه
الثالث: إجلالك له أن يرى مثل تلك الخواطر في بيته الذي خلق لمعرفته.
الرابع: خوفك منه أن تسقط من عينه بتلك الخواطر.
الخامس: إيثارك له أن تساكن قلبك غير محبته.
السادس: خشيتك أن تتولد تلك الخواطر، ويستسعر شرارها، فتأكل ما في القلب من الإيمان ومحبة الله فتذهب به جملة وأنت لا تشعر.
السابع: أن تعلم أن تلك الخواطر بمنزلة الحب الذي يلقى للطائر ليصاد به، فاعلم أن كل خاطر منها فهو حبة في فخ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر.
الثامن: أن تعلم أن تلك الخواطر الرديئة لا تجتمع هي وخواطر الإيمان ودواعي المحبة والإنابة أصلاً بل هي ضدها من كل وجه، وما اجتمعتا في قلب إلا وغلب أحدهما صاحبه، وأخرجه واستوطن مكانه، فما الظن بقلب غلبت خواطر النفس والشيطان فيه خواطر الإيمان والمعرفة والمحبة فأخرجتها واستوطنت مكانها لكن لو كان للقلب حياة لشعر بألم ذلك وأحس بمصابه».
وتذكروا قصة أبينا وأمنا مع الشيطان، وكيف دخل الخواطر، وزين أكل الشجرة، بل وعلم أن الإنسان يحب الغناء والبقاء، فقال لهما: ]وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ[ [الأعراف: 20]،
وقال في سورة طه: ]فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى * فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى[ [طه: 120، 121].
فانظر كيف أسمى قبح عمله دلالة، وأسمى الشجرة التي نهى الله الأبوين عنها، وبين عاقبة أكلها فقال: ]وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ[ [الأعراف: 19]، شجرة الخلد، وهذا باب كيده الأعظم الذي يدخل منه على ابن آدم فإنه يجري منه مجرى الدم حتى يصادف نفسه ويخالطه ويسألها عما تحبه وتؤثره، فإذا عرفه استعان بها على العبد، ودخل عليه من هذا الباب، وكذلك علَّم إخوانه وأولياءه من الإنس.
فاحذروهـ واستعينوا بالله على دفع وساوسه، ولا تسلموا خواطركم له، فتعصون ربكم، فتندمون ]إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ[ [الأعراف: 201]، ولا يغرنكم تغير المسميات ما دام أن حقيقتها محرمة، وقد نبأكم الله كيده مع أبيك وأمك، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فقد أسمى الربا فوائد مادية، والتبرج والسفور تقدمًا وحرية، والعلاقات المحرمة صداقة. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
3- اللفظة:
وأما اللفظات فحفظها بأن لا يخرج لفظة ضائعة، وأن لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه، فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر: هل فيها ربح وفائدة أو لا؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها.
قال يحيى بن معاذ: القلوب تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها، فانظر إلى الرجل حين يتكلم، فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه، حلوًا وحامضًا، عذبًا وأجاجًا، ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه، كما تطعم بلسانك طعم ما في القدور؛ فتدرك العلم بحقيقته، كذلك تطعم ما في قلب الرجل من لسانه. وفي المسند (3/198) من حديث أنس مرفوعًا: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه» وسئل النبي r عن أكثر ما يدخل النار؟ فقال: «الفم والفرج» قال الترمذي: حديث صحيح (2004).
ومن العجب: أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة والنظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة اللسان، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، وإذا أردت أن تعرف ذلك فانظر فيما رواه مسلم في صحيحه (2621) من حديث جندب أن رسول اللهصلى الله عليه و سلم حدث أن رجلاً قال: «والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك» فهذا العابد الذي قد عبد الله ما شاء أن يعبده أحبطت هذه الكلمة الواحدة عمله كله.
وفي البخاري (6113) من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم».
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة يرفعه: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليقل خيرًا أو ليصمت».
وفي الترمذي (2412) عن أم حبيبة زوج النبي ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر لله».
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
وقال بعض الصحابة لجاريته يومًا: «هاتي السفرة نعبث بها ثم قال: أستغفر الله ما أتكلم بكلمة إلا وأنا أخطمها وأزمها إلا هذه الكلمة خرجت مني بغير خطام ولا زمام».
وأيسر حركات الجوارح حركات اللسان وهي أضرها على العبد.
وفي اللسان آفتان عظيمتان، إن خلص من إحداهما لم يخلص من الأخرى: آفة الكلام، وآفة السكوت، وقد يكون كل منهما أعظم إثمًا من الأخرى في وقتها، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، عاصٍ لله، مراء مداهن إذا لم يخف على نفسه. والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاص لله، وأكثر الخلق منحرف في كلامه وسكوته فهم بين هذين النوعين، وأهل الوسط أهل الصراط المستقيم كفوا ألسنتهم عن الباطل، وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعه في الآخرة.
4- الخطوات:
وحفظها أن لا ينقل قدمه إلا فيما يرجو ثوابه عند الله تعالى، فإن لم يكن في خطاه مزيد ثواب؛ فالقعود عنها خير له، ويمكنه أن يستخرج من كل مباح يخطو إليه قربة يتقرب بها، وينويها لله، فتقع خطاه قربة، وتنقلب عادته عبادة، ومباحاته طاعات، فإن مشت المرأة في بيتها لإصلاح أمر زوجها، والقيام بشؤون أولادها، واحتسبت ذهابها وإيابها، كتب لها الأجر إن شاء الله، وإن سارت لصلة قريباتها، واحتسبت الأجر في صلة الرحم كتب لها إن شاء الله، وعليه فقس، ولما كانت العثرة عثرتين عثرة الرجل وعثرة اللسان، جاءت إحداهما قرينة الأخرى في قوله تعالى: [وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا] [الفرقان: 63]، فوصفهم بالاستقامة في لفظاتهم وخطواتهم، كما جمع بين اللحظات والخطرات في قوله تعالى: [يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ] [غافر: 19].
الخطوة الرابعة للعودة الى الله
4- جالس الأخيار:
مما لا شك فيه أن الناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض، ولذا كان المبتدئ بالخير والشر له مثل من تبعه من الأجر والوزر، وذلك لاشتراكهم في الحقيقة، وأن حكم الشيء حكم نظيره، وشبيه الشيء منجذب إليه. والتائب من الذنب قد خالف أصحاب السوء فلا بد له من تركهم، وتيمم الطيب بدلاً منهم.
والصديق له تأثير كبير على صديقه؛ لكثرة مخالطته، وشدة ملازمته، وصحبته تمتد مع العبد في دنياه وآخرته، فكما أنه ليس كل بيت يصلح للسكنى، ولا كل راحلة تصلح للركوب، فكذلك أبناء آدم لا يصلح كلهم للصحبة، أخرج البخاري في صحيحه (6133) من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : «إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة».
يقول الحافظ في الفتح (11/335): «... فالمعنى لا تجد في مائة إبل راحلة تصلح للركوب؛ لأن الذي يصلح للركوب ينبغي أن يكون وطيئًا سهل الانقياد، وكذا لا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة بأن يعاون رفيقه، ويلين جانبه...».
لقد أخبر الرب جل وعلا في كتابه أن الابتعاد عن سبيل الرسول، والضلالة إنما يكون بسبب صحبة السوء، فيعض الظالم على يديه يوم القيامة حسرة وأسفًا، لكن ولات حين مندم يقول الرب: [وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً][الفرقان: 27-29].
بل إن الرابطة بين أهل الشر تمتد حتى بعد دخول النار؛ لكن تنقلب إلى عداوة وبغضاء يقول الله تعالى: [وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ] [فصلت: 29].
وتأمل[نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ]سلمني الله وإياكم من عذابه.
ويقول تعالى: [قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ] [الأعراف: 38].
وإذا كان ما مضى من الأدلة فيه تحذير من صحبة الأشرار؛ فإن الشرع حث على صبر النفس مع الأخيار ونهى عن أن تعدو عين المسلم عنهم يقول الله تعالى:
[وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا] [الكهف: 28].
وتأمل وصفهم بقوله: [يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ].
والغداة: أول النهار وهو الوقت الذي ينتقل الإنسان فيه من النوم إلى اليقظة، وهذا الانتقال شبيه بالانتقال من الموت إلى الحياة.
والعشي: آخر النهار وهو الوقت الذي ينتقل الإنسان فيه من اليقظة إلى النوم، ومن الحياة إلى الموت، والإنسان العاقل يكون في هذين الوقتين كثير الذكر لله، عظيم الشكر لآلائه ونعمائه .
ومن صحب أهل الخير علا ذكره، وارتفع شأنه في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فدليله قول الله تعالى: [سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ][الكهف: 22]، فرفع الله ذكر الكلب لما صحب أهل الخير.
وأما في الآخرة، فهم أهل الوفاء ،أخرج مسلم في صحيحه (183) من حديث أبي سعيد الخدري مطولاً وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد منا شدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا، ويصلون، ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقًا كثيرًا...» وقارن بين هؤلاء وأولئك الذين يقولون: [نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا]وأعمل عقلك، قم صنف صحبتك، وبناء على هذا اتخذ قرارك...
والتائب حديث عهد بتوبة، وللشهوات طغياتها، وللأهواء مغرياتها، فوجود الصاحب أمر ضروري، ليذكره إذا نسي، ويعظه إذا هم بسوء، ويعينه على طاعة ربه ومرضاته، ثم إن مجالسة الأخيار حماية للتائب من الخلوة والوقوع في أسر الخواطر، وهي ميدان للمنافسة في الخيرات، والمسابقة لصنوف الطاعات.
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.