السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخواتي الحبيبات هذه مقالة قيمة وشاملة عن القرآن وفضله
في رمضان وغير رمضان اعلم ان المقال طويل ولكن نظرا
لفائدته العظيمةأرى وضعه في المفضلة والرجوع إليها ..
رمضـــــان شهـــر القــرآن الكــريـــم
تنـــــزُّلٌ كــــريــم:
في ليلة السابعَ عشر من رمضان، و النَّبيُّ صلَّى الله عليه
وسلَّم في الأربعين من عمره، أذن الله عز وجل للنور أن
يتنزَّل، فإذا جبريل عليه السلام آخذ بالنبي صلى الله عليه
وسلم يقول له: اقرأ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما
أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم
أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية
حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ
فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال {اقرأ باسم ربك
الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم} فرجع بها
رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يرجف فؤاده) [البخاري 3]
وهكذا نزلت أول آية من هذا الكتاب العظيم على النبي
الرؤوف الرحيم في هذا الشهر العظيم.
وهكذا شهدت أيامه المباركة اتصال الأرض بالسماء، و تنزل
الوحي بالنور و الضياء، فأشرقت الأرض بنور ربها وانقشعت
ظلمات الجاهلية الجهلاء.
و من قبل ذلك شهد هذا الشهر الكريم نزولا آخر، إنه نزول
القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء
الدنيا، وكان ذلك في ليلة القدر … {إنا أنزلناه في ليلة القدر}
{إنا أنزلنا في ليلة مباركة}، قال ابن عباس: أنزل القرآن
جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في
عشرين سنة [النسائي و الحاكم]، وقال ابن جرير: نزل
القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر من
شهر رمضان ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه و سلم على
ما أراد الله إنزاله إليه.
إنها تلك " الليلة الموعودة التي سجلها الوجود كله في فرح و
غبطة و ابتهال، ليلة الاتصال بين الأرض و الملأ الأعلى … ليلة
ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته و
في دلالته و في آثاره في حياة البشرية جميعا، العظمة
التي لا يحيط بها الإدراك البشري ... والنصوص القرآنية التي
تذكر هذا الحدث تكاد تَرِفُّ و تنير بل هي تفيض بالنور الهادئ
الساري الرائق الودود نور الله المشرق في قرآنه {إنا أنزلناه
في ليلة القدر}، و نور الملائكة و الروح و هم في غدوهم
ورواحهم طوال الليلة بين الأرض و الملأ الأعلى {تنزل
الملائكة و الروح فيها} و نور الفجر الذي تعرضهالنصوص
متناسقا مع نور الوحي و نور الملائكة … {سلام هي حتى
مطلع الفجر} " [الظلال 6/ 3944]
و أي نعمة أعظم من نعمة نزول القرآن؟ نعمة لا يسعها حمد
البشر فحمد الله نفسه على هذه النعمة {الحمد لله الذي
أنزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا}.
وهكذا إذن، شهد شهر رمضان هذا النزول الفريد لكتاب الله، و
من يومذاك ارتبط القرآن بشهر رمضان {شهر رمضان الذي
أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان}
ومن يوم ذاك أصبح شهر رمضان هو شهر القرآن.
إكثــار و اجتهــاد:
عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى اللهم عليه وسلم
أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل
وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول
الله صلى اللهم عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة
[البخاري 6 مسلم 2308].
قال الإمام ابن رجب: دل الحديث على استحباب دراسة
القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك، و عرض القرآن على
من هو أحفظ له … و فيه دليل على استحباب الإكثار من
تلاوة القرآن في شهر رمضان، وفي حديث فاطمة عليها
السلام عن أبيها أنه أخبرها أن جبريل عليه السلام كان
يعارضه القرآن كل عام مرة و أنه عارضه في عام وفاته مرتين
[البخاري 3624 و مسلم 2450] [لطائف المعارف 354،355].
وفي رمضان يجتمع الصوم و القرآن، وهذه صورة أخرى من
صور ارتباط رمضان بالقرآن، فتدرك المؤمن الصادق شفاعتان،
يشفع له القرآن لقيامه، و يشفع له الصيام لصيامه، قال
صلى الله عليه وسلم: ((الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم
القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار
فشفعني فيه، و يقول القرآن: رب منعته النوم بالليل
فشفعني فيه فيشفعان)) [أحمد] و عند ابن ماجه عن ابن
بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول: أنا الذي
أسهرت ليلك و أظمأت نهارك)).
"واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان
لنفسه:
- جهاد بالنهار على الصيام!
- وجهاد بالليل على القيام!
فمن جمع بين هذين الجهادين و وفَّى بحقوقهما و صبر عليهما
وُفِّي أجره بغير حساب " [لطائف المعارف 360]
و من صور اختصاص شهر رمضان بالقرآن الكريم صلاة
التراويح، فهذه الصلاة أكثر ما فيها قراءة القرآن، وكأنها
شُرعت ليسمع الناس كتاب الله مجوداً مرتلاً، و لذلك استحب
للإمام أن يختم فيها ختمة كاملة.
ناشئة الليل!
قال ابن رجب: و في حديث ابن عباس أن المدارسة بينه و
بين جبريل كانت ليلاً يدل على استحباب الإكثار من التلاوة
في رمضان ليلا فإن الليل تنقطع فيه الشواغل و يجتمع فيه
الهم، و يتواطأ فيه القلب و اللسان على التدبر كما قال تعالى
{إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا} [لطائف المعارف 355]
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في قيام
رمضان بالليل أكثر من غيره [لطائف المعارف 356] ومما يؤيد
ذلك ما رواه الإمام أحمد عن حذيفة قال أتيت النبي صلى
اللهم عليه وسلم في ليلة من رمضان فقام يصلي فلما كبر
قال الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ثم قرأ
البقرة ثم النساء ثم آل عمران لا يمر بآية تخويف إلا وقف
عندها ثم ركع يقول سبحان ربي العظيم مثل ما كان قائما ثم
رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد مثل ما
كان قائما ثم سجد يقول سبحان ربي الأعلى مثل ما كان
قائما ثم رفع رأسه فقال رب اغفر لي مثل ما كان قائما ثم
سجد يقول سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما ثم رفع
رأسه فقام فما صلى إلا ركعتين حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة
[أحمد، باقي مسند الأنصار، رقم 22309]
وكان عمر قد أمر أبي بن كعب و تميما الداري أن يقوما
بالناس في شهر رمضان، فكان القارئ يقرأ بالمائتين في
ركعة حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام و ما
كانوا ينصرفون إلا عند الفجر، و في رواية أنهم كانوا يربطون
الحبال بين السواري ثم يتعلقون بها [لطائف المعارف 356]
وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال و
بعضهم في كل سبع منهم قتادة و بعضهم في كل عشرة
منهم أبو رجاء العطاردي [لطائف المعارف 358]
كل هذا التطويل و القيام من أجل تلاوة القرآن و تعطير ليالي
شهر القرآن بآيات القرآن.
عن واثلة بن الأسقع- رضي الله عنه- عن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم- قال: (أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من
رمضان، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، وأنزل
الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان
عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت
من رمضان): رواه الطبراني في الكبير عن واثلة، وأحمد في
مسنده وابن عساكر، وحسنه الألباني صحيح الجامع رقم (1509).
وشهر رمضان وإن كان موسماً لسائر العبادات، فإنَّ للقرآن
فيه مزيد مزية وخصوصية، قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ
الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى
وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: من الآية 185]، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}
[سورة القدر: 1]، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: من
الآية3]، ولهذا كان للقرآن عند السلف خصوصية في موسمه،
* أسلافنا إذا قدم شهر رمضان فتحوا المصاحف وحلوا
وارتحلوا مع القرآن الكريم.
ثبت عن الإمام مالك رحمه الله تعالى أنه كان في رمضان لا
يتشاغل إلاّ بالقرآن الكريم، وكان يعتزل التدريس والفتيا
والجلوس للناس، ويقول هذا شهر القرآن الكريم.
* بيوت سلفنا كان لها في رمضان خاصة دويّ كدويّ النحل،
تشع نورًا وتملأ سعادة، كانوا يرتلون القرآن الكريم ترتيلاً،
يقفون عند عجائبه ويبكون من عظاته ويفرحون ببشارته و
يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه!